( حكم الهدية لغير المسلم )
حكم الهدية لغير المسلم
إن حكم الهدية لغير المسلم في ضوء الشريعة الإسلامية هو مسألة دقيقة ومثيرة للجدل، فقد اختلفت آراء الفقهاء في هذه المسألة بناءً على الأدلة الشرعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد انقسموا في ذلك إلى فريقين رئيسيين:
الفريق الأول: يجيز الهدية لغير المسلم
يرى هذا الفريق أن إهداء الهدايا لغير المسلم جائز شرعاً، مستندين في ذلك على الأدلة التالية:
- عموم الأدلة الدالة على جواز المعاملات مع غير المسلمين، مثل قوله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”، وقوله تعالى: “وإذا جاءوك يسلمون عليك فلا تقولوا لستم مؤمنين”.
- وجود أمثلة في السنة النبوية تدل على إهداء النبي صلى الله عليه وسلم لغير المسلمين، فقد أهدى النبي صلى الله عليه وسلم حلة (ثوب فاخر) إلى دحية الكلبي عندما أسلم، كما أهدى إلى ملك الروم هرقل.
- الحكمة من الهدية وهي إدخال السرور على الآخرين وإظهار حسن النية، وهي من المقاصد التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
الفريق الثاني: لا يجيز الهدية لغير المسلم
يرى هذا الفريق أن إهداء الهدايا لغير المسلم غير جائز شرعاً، مستندين في ذلك على الأدلة التالية:
- قوله تعالى: “لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين”، وقوله تعالى: “ولا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة”، فقد رأوا في هذه الآيات تحذيراً من موالاة الكافرين وإظهار المحبة لهم.
- عدم وجود أدلة صريحة في السنة النبوية تدل على جواز إهداء الهدايا لغير المسلمين، وقد وردت أحاديث صحيحة تحذر من مخالطة الكافرين ومصادقتهم، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحب قوماً حشر معهم”، وقوله: “المرء على دين خليله”.
- الخوف من أن تؤدي الهدية إلى زيادة تعلق غير المسلم بكفره، وإعانته على البقاء في هذا الدين الباطل.
الراجح من الأقوال
بعد عرض آراء الفريقين، يرى جمهور الفقهاء أن الأرجح هو القول بعدم جواز إهداء الهدايا لغير المسلم، إلا إذا كان هناك مصلحة شرعية راجحة، مثل إهداء المصحف أو كتب الدعوة الإسلامية، أو إهداء هدايا بسيطة في المناسبات الاجتماعية كنوع من التعارف والمودة، مع مراعاة عدم المبالغة في ذلك.
ملاحظات
- جمهور الفقهاء يرى عدم جواز إهداء الهدايا لغير المسلم.
- الهدية التي فيها مصلحة شرعية كالمصحف أو كتب الدعوة جائزة.
- الهدايا البسيطة في المناسبات الاجتماعية جائزة مراعاة لعدم المبالغة.
الاستثناءات
تجوز الهدية لغير المسلم في بعض الحالات الاستثنائية، ومنها:
- من كان قريباً لغير المسلم، مثل الزوج أو الولد أو الجار، جازت له الهدية لغير المسلم لدفع الأذى عنه.
- الهدية البسيطة التي لا تزيد عن قدر الحاجة كإهداء طعام أو شراب في حالة الجوع أو العطش.
- الهدية التي فيها تحقيق مصلحة للمسلمين، مثل إهداء كتب الدعوة الإسلامية أو المساعدة على بناء مسجد أو مدرسة.
الهدايا التي لا تجوز
لا تجوز الهدية لغير المسلم في بعض الحالات، ومنها:
- الهدايا الثمينة أو الكبيرة التي فيها تعظيم ومداهنة لغير المسلم.
- الهدايا التي تحمل رموزاً أو شعارات دينية إسلامية، فقد يؤدي ذلك إلى إساءة استخدامها.
- الهدايا التي فيها إعانة لغير المسلم على الكفر أو معاداة المسلمين.
الخاتمة
إن مسألة إهداء الهدايا لغير المسلم مسألة دقيقة تحتاج إلى مراعاة الأدلة الشرعية والحكمة من الهدية ومصلحة المسلمين، والراجح من أقوال الفقهاء هو عدم جواز الهدية لغير المسلم إلا في بعض الحالات الاستثنائية المذكورة، وذلك من باب الحذر والحرص على سلامة العقيدة الإسلامية.